اللغة العربية قادرة على التكيّف مع الحضارات والمشاركة في البناء العلمي والحضاري

سالم بن حمدان الحسيني

أثبت التاريخ أن اللغة العربية قادرة على التكيف مع الحضارات السابقة والمعاصرة لتفيد منها ما يمكّن أبناءها من المشاركة في البناء العلمي والحضاري، ولا ريب في ذلك فهي نداء الوحي من السماء إلى رسولنا الكريم ولغته المحبوبة وميراث النبوة، بها كتب المسلمون تاريخهم وأمجادهم ومؤلفاتهم وموسوعاتهم في كافة فنون العلوم، فأبدعوا في مجال تفسير القرآن وعلومه والفقه وأصوله، والحديث ومناهجه.
وقد أثبتت التجارب الميدانية والبحوث التجريبية التي قام بها المختصون أن استيعاب الطلاب للمواد العلمية التي تدرس باللغة العربية أعلى بكثير من المواد ذاتها حينما تدرس باللغة الأجنبية.

والناظر في عالم اليوم يجده يعيش تدافعًا لغويًا بين الدول في ظل العولمة؛ إذ يحاول أصحاب كل لغة أن يكون لهم سبق التقدم العلمي وتصديره للآخرين عن طريق لغته التي يسعى إلى نشرها بكافة السبل، وشتى الطرق، لكن واقع اللغة العربية اليوم لا يُظهر بشكل حقيقي الاهتمام الكافي بها.. ذلك ما أكده اللقاء التالي مع د. ممد عبدالرحيم الزيني – أستاذ الفلسفة بكلية العلوم الشرعية. ود. سليمان بن سيف الغتامي – الأستاذ المساعد بقسم المناهج والتدريس بكلية التربية، جامعة السلطان قابوس.
بداية يحدثنا د. محمد عبدالرحيم الزيني عن واقع اللغة العربية وكيفية المحافظة عليها وحمايتها في ظل الغزو الالكتروني حيث يقول: لا غرو أن نعود للحديث عن اللغة العربية مرة أخرى وعن دورها المشهود في حياتنا اليومية والعلمية، فهي نداء الوحي من السماء إلى رسولنا الكريم ولغته المحبوبة وميراث النبوة، (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)، والعمود الرافع لخيمة العروبة والشارة الأساسية لهويتنا الثقافية وشخصيتنا الحضارية وحوارنا المتواصل وتواصلنا اليومي، والكنز المباح للجميع الذي يتدفق فنا وعلمًا وأدبًا وشعرًا ومجدًا وحضارةً، والرابطة العضوية التي تجمعنا وتوحد كلمتنا وتلملم شملنا وتميز هويتنا وتصهر آمالنا وطموحاتنا في بوتقة واحدة وصعيد واحد وعالَم واحد.
بهذه اللغة العبقرية كتب المسلمون تاريخهم وأمجادهم ومؤلفاتهم وموسوعاتهم في كافة فنون العلوم، فأبدعوا في مجال تفسير القرآن وعلومه والفقه وأصوله، والحديث ومناهجه في الجرح والتعديل وعلم الكلام والتاريخ والجغرافيا والمنطق والفلسفة وغيرها من علوم الأوائل التي دخلت حياتنا مع صعود نجم الدولة الأموية وازدهار العباسية في طورها الأول؛ ونعني الفلك والكيمياء والرياضيات والموسيقى. وغني عن البيان أن وفود العلماء من الأجناس الأخرى غير العربية الذين اعتنقوا الإسلام عن اقتناع وفهم ومحبة، عشقوا اللغة العربية فانكبوا يدرسون مفرداتها وجملها وأسلوبها نثرها وشعرها ويحفظون قرآنها، وكان منهم المفسر والنحوي واللغوي والأديب والمتكلم والفيلسوف، كما نرى عند سبيويه والثعالبي والزجاج والفراء وأبي سليمان السجستاني (391 هـ) وتلميذه التوحيدي (404 هـ) فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، والفارابي (339 هـ) وابن سينا (428 هـ) والشهرستاني (548 هـ) وفخر الدين الرازي (ت 606 هـ) وغيرهم من الذين أبدعوا في هذا الميدان؛ حتى قال الزمخشري (538 هـ) لأن أهجو بالعربية أفضل لي من أن أمدح بالفارسية.
وأوضح أن الهجمة العلمية المعاصرة التي تمثلت في وسائل الإعلام الحديثة لا يستطيع أن ينكرها أحد وقد تمثلت في نشر اللغة العربية وفنونها من القصة والشعر والمسرحية والمقالات الأدبية، ونشر اللغة العربية الفصيحة في الآفاق، وكما هو واقع الحياة وجدلية المجتمعات وحركة الوجود التي تجمع بين القضية ونقيضها لذلك كانت سلبيات هذه الوسائل وخيمة على اللغة العربية في بعض أقطارنا العربية على تفاوت بطبيعة الحال، إذ لم تلتزم جميعها «باللغة العربية الفصحى» وراحت تخاطب المواطن العربي باللغة المحلية والعامية التي تشتهر بها كل دولة مما أسهم في تراجعها عن الصدارة، وانتشار العامية بين المواطنين وربما ساعدت المسلسلات والأفلام على مزيد من هذا التدهور المخيف، على الرغم من حرص كثير من الدول على رفع شأن هذه اللغة العبقرية.
وأضاف: ثم جاءت خطوة ابتكار «الحواسيب» المذهلة التي تعد من أفضل وأحسن الاختراعات في القرن العشرين بلا منازع، ولا أحد يجادل في الطفرة العلمية التي أحدثتها، إذ وفرت على الباحثين الوقت والجهد في الكتابة والإنشاء وسهلت عملية الطباعة ونقل الأفكار والمعارف العربية إلى الآفاق وطوت المسافات والمساحات بين الباحثين والمؤلفين والمفكرين. وفي ضوء ذلك كانت لهذه الحواسيب خطورتها على تعلم اللغة العربية وإهانتها، حيث بدأ الأطفال في بعض الدول يتعلمون الكتابة عليها «باللغة الإنجليزية» مباشرة قبل أن يتدربوا على قراءة الأبجدية، ويتعرفوا «الألف باء» ويتمرسوا على نطق حروفها وحفظها وكتابتها، ولا شك أن هذه كارثة على الجيل القادم. ونسارع فنقول لسنا ضد تعلم اللغة الإنجليزية التي أصبحت لغة عالمية، وعابرة للقارات، ولكن ننبه على خطورة تعلم أطفالنا لها قبل أن يتمرسوا على لغتهم الأصلية، ويستوعبوا قواعدها ويتمرنوا على أسلوبها والنطق بها أولا وأخيرا، والتي هي المحدد الأول لهويتهم وأبعاد شخصيتهم والوعاء الثري والينبوع الدفّاق لعلومنا وتراثنا الحضاري.
وأشار قائلا: ومن المعلوم أن في بعض الدول الأجنبية ومنها فرنسا لا يسمحون للطفل بتعلم أي لغة أخرى قبل سن السادسة وإتقان اللغة الفرنسية قراءة وكتابة، ولعلنا نرى أن رؤساء فرنسا لا يتكلمون في المنتديات الدولية والمؤتمرات إلا باللغة الفرنسية على الرغم من أنهم يجيدون اللغة الإنجليزية، وهذا دليل على اعتزازهم بلغتهم والإعلاء من شأن الثقافة الفرنسية. فنود أن ننبه إلى ضرورة العودة إلى الينابيع الثرية من لغتنا، والاغتراف منها، والعكوف على قراءتها أدبا وعلما وفنا ونشرها في الآفاق، ومنع البرامج التي تقدم بالعامية والأزجال والمواويل وكذلك الشعر المرسل الغامض الذي لا يقدم معنا مفهوما ولا ذخيرة أدبية عن جميع منابر الصحافة والإعلام. ومن جهة أخرى تستطيع أجهزة الإعلام من خلال برامجها الهادفة تقديم دروس في اللغة العربية وتبسيط قواعدها وتيسير فهم علم النحو بطريقة سهلة تناسب عقلية المستمعين.
وأضاف قائلا: كذلك من الواجب الأخلاقي والضمير العلمي نقل الندوات الأدبية والمؤتمرات الأكاديمية وإذاعة الحوارات اللغوية التي يعقدها جهابذة اللغة ومناقشة القضايا الدينية والاجتماعية وإذاعتها في الجمهور للارتقاء بلغتنا الخالدة. وعلينا إحياء الأدب العربي وتقريبه من عقلية الشباب المعاصر وغرسه في وجدانهم وتشجيع الشعراء المجيدين على نشر أعمالهم وإذاعته في كل ناد، وكذلك القصاصين الذين يكتبون باللغة الفصحى مع قيام النقاد بالتحليل والشرح واستخراج المضامين السياسية والدينية والأخلاقية من هذه الأعمال. ومع تقديرنا لمجامعنا العربية في دولنا العربية وكفاحها المجيد في ترسيخ أهمية اللغة والاعتزاز بها والفخر بأدبها وتراثها وتثمين دورها المشهود في الحفاظ على العربية والارتقاء بها والمنافحة عنها، مازال عليها مهمة كبرى في مواكبة مفردات الحضارة، وإيجاد البدائل للمصطلحات الأجنبية التي تنهال علينا من كل حدب وصوب وإشاعتها في المجتمع وكذلك أسماء الأجهزة التي تدفع بها المصانع يوميا، وعلى أجهزة الإعلام ترويج هذه المصطلحات، وجعل العربية لغة التدريس للعلوم الحديثة وفرضها في الكليات العلمية (الطب والهندسة والصيدلة) بحيث تصبح سيدة اللغات، لاسيما وأن التجارب الميدانية والبحوث التجريبية التي قام بها المختصون أثبتت بأن استيعاب الطلاب للمواد العلمية التي تدرس باللغة العربية أعلى بكثير جدا من المواد ذاتها حينما تدرس باللغة الأجنبية. وقد كُتب في هذا المجال بحوث متعددة تطالب بتريس هذه المقرات باللغة العربية، ولا شك أن هذا الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية وجهود أكاديمية.
وأكد الزيني أن على معلمي اللغة العربية في كافة المدارس وأساتذة الجامعات دورًا حضاريًا ومهمًا للغاية في تحبيب اللغة العربية لعقول أبنائنا الطلاب من خلال انتقاء نصوص أدبية مشوقة للطلاب سواء أكانت للحفظ أو للدراسة وتقديم السيرة الشخصية لجمهرة أدباء العربية الفطاحل، ودورهم في الحفاظ على العربية، مع ضرورة تبسيط قواعد النحو لنفوسهم حتى يتعودوا على القراءة الصحيحة والإقبال عليها بشغف. وشرح هذه المعلومات من خلال استعمال وسائل الإيضاح الحديثة (السبورة الذكية، رسم الخرائط للقواعد، ضرب الأمثلة التوضيحية). كما أنه من الواجب الجهات المعنية في دولنا العربية منع وجود لافتات على المحلات باللغة الأجنبية، إذ من اللافت للنظر في بعض دولنا العربية أن بعض أصحاب المحلات والشركات أصبحوا يكتبون أسماء محلاتهم باللغات الأجنبية (الإنجليزية والفرنسية)، وهذا شيء مؤسف حقيقي حتى يختلط عليك الأمر أنت في بلد عربي أم أجنبي!!، وكذلك وجود أخطاء فاضحة في كتابة هذه اللافتات دون مراعاة أبسط قواعد اللغة العربية؛ فالمذكر يؤنث، والمؤنث يذكر وهكذا، لأننا أولا يجب أن نعتز بلغتنا ونفتخر بها فهي لغة قرآننا وإسلامنا، وثانيا نحن عرب وهي عنوان شخصيتنا ومهاد حضارتنا.
من جهته قال د. سليمان بن سيف الغتامي -الأستاذ المساعد بقسم المناهج والتدريس بكلية التربية- جامعة السلطان قابوس في استهلال حديثه أتذكر قول المتنبي:
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ!
في ضوء هذا البيت الذي قاله المتنبي منذ مئات السنين، نعيش هذه الأيام «اليوم العالمي للغة العربية» الذي يصادف 18 من ديسمبر من كل عام، فمما لا شكّ فيه أن اللغة العربية الأداة الرئيسة التي يتخاطب بها أبناء المجتمع العربي، الأمر الذي يمكّنهم من التفاهم والتفكير لأجل الإبداع والرقي، وكان للعرب بفضلها فضل على الأمم الأخرى في علومها، وعلى أساسها كان يُنظر إلى الأمة العربية على أنها منارة يُهتدى بها. ولقد أثبت التاريخ أن اللغة العربية قادرة على التكيف مع الحضارات السابقة والمعاصرة لتفيد منها ما يمكّن أبناءها من المشاركة في البناء العلمي والحضاري؛ وذلك بما تتميز به من مقومات لغوية مختلفة. إذن، أليس من حق هذه اللغة التي حملت مشعل الحضارة، وسايرت الحضارات التي باد كثير منها وهي صامدة شامخة أن تكون في مقدمة ألويات الأمة العربية وبالتالي من حقها أن نحتفي بها لتواصل مسيرتها؟! أم حقها أن ننساها ونهجرها، ونعتز بغيرها من اللغات لعرض زائل.
وأوضح أن الناظر في عالم اليوم يجده يعيش تدافعًا لغويًا بين الدول في ظل العولمة؛ إذ يحاول أصحاب كل لغة أن يكون لهم بق التقدم العلمي وتصديره للآخرين عن طريق لغته التي يسعى إلى نشرها بكافة السبل، وشتى الطرق، فقد يكون عبر معاهد تعليم اللغات المنتشرة في الدول المختلفة، أو عبر وسائل الإعلام من خلال البرامج الجاذبة بشتى أنواعها، أو عبر ما تقدمه تلك الدول من منح دراسية للدارسين في جامعاتها، أو عبر القوة الاقتصادية وما تحمله بضائعها الاستهلاكية بأنواعها من دعايا للغاتها. مؤكدا أن هذا التدافع اللغوي كفيل بأن يطرح تساؤلات مهمة، وهي: هل أصبحت اللغة العربية عاجزة عن المضي قدمًا في مواكبة تطورات هذا العصر، والوقوف في مصاف اللغات العالمية؟ وهل يناضل العرب كغيرهم من أجل نشر لغتهم؟ وهل الجهود المبذولة حاليًا على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي وغيرها تكفي لنصرة اللغة العربية، وإظهارها للعالم في ظل تزايد رغبة غير العرب لتعلم اللغة العربية، وفي وقت وجود العديد من الجامعات الأجنبية التي تدرّس اللغة العربية في أقسامها؟ إنّ الإجابة بنعم يحقق الاحتفاء باللغة العربية، بينما الإجابة بلا تعني الترحم عليها.
وأشار إلى أن واقع اللغة العربية المعيش يوميًا لا يُظهر بشكل حقيقي الاهتمام الكافي بها، بل نجده يحكي الكثير من تهميشها، والعديد من صور التقليل من شأنها، وهناك أدلة واقعية على هذا، فقد حضرتُ منذ فترة وجيزة خلال هذا الشهر ملتقى علميًا وطنيًا في السلطنة، وهالني ضعف حضور اللغة العربية فيه؛ إذ كانت معظم الكتابات حتى الإرشادية إلى مكان الملتقى بلغة أجنبية، وفي أثناء الملتقى أبدى لي أحد الأساتذة الأكاديميين المقيمين في السلطنة انزعاجه من غياب اللغة العربية، وأكّد على أهمية إظهارها في مثل هذه المحافل بجانب اللغة الأجنبية -إن كانت ضرورية- لما لها من دور في إبراز هوية الدولة.
وقال: ومن منطلق تأمين الحاجات الأساسية في الحياة، تسعى الدول العربية كغيرها إلى تأمين الأمن الغذائي لسكانها، وحماية المستهلكين من الغش في البضائع، عبر إنشاء مؤسسات متخصصة تقوم بهذه الوظيفة، وتنفق الأموال الطائلة لتحقيق الأمن في أراضيها، وتبحث عن مصادر متنوعة لتحسين دخلها، ولكنها في الوقت نفسه نسيت أنّ اللغة العربية هي اقتصاد في حدّ ذاتها، وثروة وطنية ينبغي عد جاهلها، فاللغة الإنجليزية مثلا تُنفَق الأموال الطائلة لتعلمها في شتى أرجاء الأرض، وبهذا شكلت رافدا اقتصاديا لأهلها، في حين أن اللغة العربية باتت تعاني الإهمال في مناحي الحياة المختلفة، وأوجهها المتعددة، ففي اللوائح التجارية على سبيل المثال لا نرى إلا لغة مهجنة مُغرَّبة يحكم من خلالها السائح الأجنبي أننا بلا هوية، بل تَبع لغيرنا، وفي هذا المقام استحضر قول مصطفى صادق الرافعي في كتابه (وحي القلم، 2003) عن حال اللغة الأم عندما يحافظ عليها أبناؤها، أو يهملونها، فهو يرى في اللغة أنها تجعل المتحدث بها «سيد أمره، ومحقق وجوده، ومستعمل قوته، والآخذ بحقه، فأما إذا كان منه التراخي والإهمال وترك اللغة للطبيعة السوقية، وإصغار أمرها، وتهوين خطرها، وإيثار غيرها بالحب والإكبار؛ فهذا شعب خادم لا مخدوم، تابع لا متبوع، ضعيف عن تكاليف السيادة، لا يطيق أن يحمل عظمة ميراثه». ويؤكد هذا المعنى عبد العزيز التويجري في كتابه (مستقبل اللغة العربية، 2004) بقوله: «التفكير في مستقبل اللغة العربية قضية بالغة الأهمية في الفكر العربي الإسلامي المعاصر، لها صلة وثيقة بسيادة الأمة العربية الإسلامية على ثقافتها وفكرها، وعلى كيانها الحضاري، وعلى حاضرها ومستقبلها. فهذه (قضية سيادة) بالمعنى الشامل، وليست مجرد قضية لغوية وأدبية وثقافية».
وأضاف: ومن أمثلة إهمال اللغة العربية على أرض الواقع أيضًا ما نشاهده في الألعاب الإلكترونية التي يهواها الأبناء وهي منتشرة في المحلات التجارية الكبيرة، إذ تُكتب تعليماتها بلغة أجنبية لا يفهمها كثير من المغرمين بهذه الألعاب المسبوقة الدفع، فهي بهذا تمثّل في بعض الأحيان خسارة لمستخدميها؛ نظرا لعدم فهمهم قانون اللعبة، وبالتالي يذهب الوقت المخصص لممارسها، وتذهب النقود دون إكمال اللعبة، والحال نفسه ينطبق على الأدلة الإرشادية للآلات والأجهزة المختلفة، فقد تتعطل نتيجة سوء الاستخدام؛ لعدم قراءة المستهلك الدليل الإرشادي كونه مكتوبًا بغير اللغة العربية، وقس على ذلك الأدوية التي يتناولها المريض، فقد لا يعي مضارها عندما لا تكون بلغة مستخدمها، مما ينتج عنه مشاكل صحية أخرى. والأدهى والأمرّ أن إهمال اللغة العربية يظهر لدى أصحاب المسؤوليات في قطاعات العل المختلفة من خلال تعاملهم باللغ الإنجليزية في مراسلاتهم، بل وصل الأمر إلى أن يجتمع ممن ينطقون العربية في اجتماع ما، فيتحدثون بلغة أجنبية دون أن يكون بينهم أجنبي واحد، ناهيك عن الكلمات التي يتلوها بعض كبار المسؤولين العرب في المحافل الدولية، فهم يلقونها بلغة أجنبية خشية التقليل من شأنهم، في حين يستخدم المسؤولون الآخرون غير العرب في مثل هذه المحافل لغتهم الأم اعتزازًا بها. وقد طال إهمال اللغة العربية أسماء جيل هذا اليوم من البنين والبنات؛ إذ بتنا نسمع أسماء ليس لها معنى، بل بعضها مركب من كلمات غير مفهومة، وبعضها مستوحى من لغات أخرى، مما أفقد الأسماء جمالها وروحها، وأبعدها في الوقت نفسه عن هوية المجتمع، ناهيك عن لغة التعليم في كثير من المؤسسات، فلا هي بلغة عربية سليمة تُعين على تقويم اللسان، ويحصل على أساسها الفهم والإفهام، ولا بلغة أجنبية صحيحة، فيبقى المتعلم تائهًا بينهما بشكل لا يُسعفه الوضع على استيعاب العلوم، ولا الإبداع فيها.
وأوضح ان الضعف اللغوي لدى الطلبة يظل منشأ انخفاض مستواهم الدراسي في مراحل التعليم المختلفة، ونتيجة لهذا، وصل الأمر بكثير من الطلبة إلى اعتمادهم في أداء أنشطتهم الدراسية الكتابية على شبكة المعلومات دون قدرتهم على اكتشاف الأخطاء التي ترد فيما ينقلونه وإصلاحها، أو إعادة صياغته بأسلوبهم، ويتأصل هذا الضعف لدى الطالب عندما يلاقي ضعفًا من معلم اللغة العربية نفسه، وكذا باقي المعلمين؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، والنتيجة الحتمية هي ترسّخ فكرة لدى المتعلمين أن اللغة العربية صعبة، ويتدرج هذا إلى النفور من تعلمها؛ فالإنسان عدو ما يجهل، وبالتالي ضعف في فهم العلوم وفي مقدمتها علوم الدين وتعاليمه، وسيادة الجهل به، بشكل ينسحب على الأخلاق والقيم. فعندما يكون حال اللغة العربية بهذه الشاكلة فهي أقرب إلى الترحم عليها.
واختتم الغتامي حديثه قائلا: أملي أن يكون الاحتفاء باللغة العربية يتسم بالمسؤولية المجتمعية والمؤسسية في الحفاظ على اللغة، واحترام الدستور الذي تؤمن به الدول العربية الذي ينص على «أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية لها» من خلال تحويله واقعًا معيشًا ينبض بالحياة، ومحاسبة المتجاوزين لهذا الدستور، والمتعالين عليه.

عمان.