محمد الحديدي
في قصر السلام والمصالحة، انطلق اليوم المنتدي الدولي لعلماء مسلمي أوراسيا في العاصمة الكازاخية أستانا، تحت عنوان “الحضارة الإسلامية في الفضاء الأوراسي.. الماضي والحاضر والمستقبل”، تحت رعاية رئيس جمهورية كازاخستان، نور سلطان نزارباييف.
وافتتح المنتدى، رئيس مجلس الشيوخ بجمهورية كازاخستان”قاسم جومارت توكاييف”، ووزير الشئون الدينية والمجتمع المدنى “نورلان يرمكباييف”، والمفتى الكازاخي الأعلى”سيريكباي كازي أوراز” رئيس الإدارة الدينية لمسلمي كازاخستان، بحضور مفتي بلدان أوراسيا وآسيا والشخصيات الدينية، على رأسهم المفتي راوي عين الدين رئيس مجلس شورى المفتين بروسيا الاتحادية.
وجذب خطاب مفتي روسيا بالمنتدى، انتباه المشاركين وممثلي وسائل الإعلام؛ حيث شدد على ضرورة تشكيل حصانة دينية ضد مظاهر التطرف الديني والإرهاب، فضلًا عن محو الأمية الدينية من خلال تعميم المدرسة الدينية التاريخية في آسيا الوسطى؛ التي يعمل بها علماء وشخصيات دينية معروفة جاءوا من كازاخستان، وكذلك بحث إنشاء قاعدة مشتركة من فتاوى البلدان الأوروبية الآسيوية، وغيرها من القضايا التي يخرج بها المنتدى؛ ليجعله حجر أساس لوحدة المسلمين في مواجهة التحديات.
ورأى عين الدين – حسب موقع مجلس شورى المفتين – أنه يجب على الزعماء الدينيين في أوراسيا، أن يجعلوا هذا المنتدى، حمامة سلام تحمل رسالة جديدة لمسلمي العالم، تحث على الانفتاح على الآخر، والتسامح، والإنسانية.
وقال مفتي روسيا: أشكر جمهورية كازاخستان أنها أتاحت الفرصة لتجميع الزعماء الدينيين المسلمين في أوراسيا من أجل تبادل وجهات النظر ومناقشة التحديات التي تواجهنا جميعا، خصوصًا هذه الأيام؛ حيثإنه مع بداية القرن الحادي والعشرين بدأ العالم الإسلامي الكبير – للأسف -يدخل في آتون الفتن والحروب والاحتجاجات المدنية، وتفكيك الدول، والكوارث الإنسانية وغيرها من الأزمات.
وتابع عين الدين: ومن أجل التغلب على كل تلك المشكلات المتراكمة، والوصول إلى مرحلة جديدة في حلها، فإن العالم الإسلامي، الذي لا شك أن منطقة كازاخستان وآسيا الوسطى ومسلمي روسيا، يشكلون جزءًا مهمًا فيه، هناك الكثير من العمل يتعين القيام به من أجل التنمية البشرية والفكرية، وتصحيح أخطائنا ومعالجة أوجه القصور؛ لأنه لا أحد سيقوم بهذا العمل لنا، إلا بالاعتماد على أنفسنا نحن أصحاب المشكلة، وأصحاب الحل والعقد، بالاجتهاد والسعي العلمي.
وأضاف: كثيرًا ما أسمع من قادة الأطياف الإسلامية في أوروبا، وكان ذلك خلال المنتدى الإسلامي الدولي الماضي في العاصمة الفنلندية هلسنكي ديسمبر 2017، أنه في الدول العلمانية في أوروبا، حيث المسلمون أقلية، يتطور الإسلام بشكل أكثر وضوحًا وحرية وانسجامًا، عكس ما يحدث في العديد من مناطق العالم الإسلامي، مشيرًا إلى أن هذا الانغلاق أدى لظهور فكرة الدولة الإسلامية على يد أشخاص ضالين يدعون أنفسهم بالمسلمين، ولكنهم يضرون بالإسلام والمسلمين الحقيقيين في جميع القارات؛ ولذلك، ليس من المستغرب أن نسمع من بعض المحللين أن المشكلة الرئيسية في العالم الإسلامي هي المسلمون أنفسهم.
وعبر رئيس مجلس شورى المفتين الروسي، عن حلمه بعودة “العصر الذهبي للإسلام”؛ حيث انتشرت الرسالة السمحاء من المحيط الأطلسي في الغرب إلى المحيط الهادئ في الشرق، من زنجبار في الجنوب إلى بولغار في الشمال “وطن أجدادي”، في غضون سنوات قليلة، وسيحتفل مسلمو روسيا بالذكرى 1100 لهذا الحدث، بعد بضع سنوات إن شاء الله.
وعرض المفتي الروسي، تلك الحقبة من تاريخ الإسلام؛ حيث كان المسلمون في ذلك الوقت مثلًا للسلام والتسامح، ولم يخافوا على الإطلاق من الاتصال بممثلي الديانات الأخرى، بدءًا من المسيحيين واليهود، إلى الزرادشتية والهندوسية والبوذية والصينية، فقد كان عصر التبادل المكثف بين الحضارات والتعددية الدينية، عندما كانت المعرفة والثقافة الواحدة تنتقل بحرية إلى الآخر، وبالتالي أثرت في البشرية جمعاء، ودخل عدد غفير بل أمم بأكملها الإسلام.
واستكمل عين الدين عرضه، بالتذكير ببيت الحكمة في بغداد – النموذج الأول للأكاديمية الأولى في العالم الإسلامي، فبعد تشكيله ازدهرت أنشطة الفلاسفة المسلمين واللاهوتيين والمفكرين، وبعد ذلك تم بناء القاهرة، وأنشئ الأزهر جامعًا وجامعة أولى، ليكون أكبر مركز تعليمي في المنطقة.
وقال: المسلمون أنفسهم اليوم يعرفون قائمة من أهم علمائنا وإنجازات أسلافنا ويتباهون بها عندما يريدون إظهار عظمة الحضارة الإسلامية في القرون الأولى، ولكن عندما يتعلق الأمر بتحليل وجهات النظر الأيديولوجية لهذه الأمة العظيمة، فإن عددًا من المسلمين يقع في ذهول وشتات وخلاف واختلاف يضعف الجميع.
ومن ثم تكمن الأسباب الجذرية للأزمة العميقة التي أضرت الدين في العصور اللاحقة، في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ونشوء حالة متناقضة: نحن نتحدث عن سلامة التراث الإسلامي، والحاجة إلى تطوير وتعزيز الأخوة في الأمة، ولكن في الوقت نفسه نرفض قبول مبدأ تعددية الآراء، وهو ما أكده القرآن الكريم في قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
وانتقد المفتي الروسي واقع المسلمين الآن، كونهم أصبحوا تابعين تقنيًا لدول العالم الغربي، والدول الآسيوية المتقدمة، موضحًا أنه في حين بلغ الناتج المحلي الإجمالي العالمي 75 تريليون دولار اليوم، فإن جميع البلدان الإسلامية لا تمثل سوى 4 تريليونات دولار؛ أي ما يقارب 5% من الاقتصاد العالمي، بينما يعيش في البلدان الإسلامية أكثر من 20 % من البشرية جمعاء، مقترحًا العمل على زراعة الإمكانات الفكرية والتكنولوجية للمسلمين في أستانا، المدينة التي استضافت أول قمة لمنظمة التعاون الإسلامي حول العلم والتكنولوجيا منذ بضعة أشهر.
ويرى المفتي راوي عين الدين أن الحل يكون من خلال إيجاد أو إنشاء برامج تربوية جديدة للمسلمين، لا لأن يواجه فيها الدين العلوم العلمانية، بل يكملها من حيث القيم والمبادئ الأخلاقية؛ لأنه لا يمكن التغلب على العولمة بإسدال الستائر الحديدية، بل ينبغي صياغة المهمة الأساسية للعلماء المسلمين بطريقة مختلفة تماما؛ حتى يعود الإسلام إلى جوهره الحقيقي، كعقيدة مفتوحة للحوار والاحترام الكامل للأديان الأخرى، والدعوة إلى السلام والتقدم والرخاء العالمي.
المصدر: الأهرام.