مهرجان البردة الإماراتي.. لأجل هوية عربية

نورة الكعبي

لا يزال تأثير العمارة الإسلامية شاهداً جَمالياً على حضارة حيّة، ازدهرت فنونها، وتبلورت في إطار ثقافي واجتماعي، ولا يزال المعماريون في العالم يعتبرونها من مصادر الإلهام في أعمالهم الحديثة، خصوصاً الانسجام البصري بين التكوين والفراغ في هندسة البناء، وفي تشكيل التفاصيل ودقتها.
وقد اهتمت الإمارات بإظهار جماليات الحضارة الإسلامية وفنونها، من خلال إطلاق مهرجان البردة، في مسعى يهدف إلى التعمق في دراسة أنواع الفنون الإسلامية ودلالاتها المعرفية، من أجل تطويرها وإبرازها، وتكريس مكانتها في الفن الإنساني المعاصر. يحتفي مهرجان البردة بالفن الإسلامي عموماً، لا سيما التصميم والعمارة، بما هو مزيج متناغم بين فنون عدة، ويحوي عناصر الهوية الثقافية التي تتنوع خصائصها وتتوحد مضامينها في الشكل الخارجي، لتعبر عنها الأقواس والزخارف والتشكيلات اللونية والحروفية في الفضاء الداخلي للمساجد والقصور التاريخية، والنمط البنائي عموماً.
ولعل هذه الهوية الثقافية ظلت نقطة تحول مستمرة بين زمن وآخر، بل مجرّة معرفية لتوليد أشكال فنية متفرقة، تشهد لى حيوة الفعل الثقافي، بوصفه قوة ناعمة، لا تتوقف عن النمو والتجدد.

وهكذا، فإن مهرجان البردة يتوخى تعريف الأجيال الجديدة بخصائص العمارة والفنون الإسلامية، وتشجيع المطورين والشركات المعمارية على الاهتمام بفنون العمارة الإسلامية في تصميماتها، تحت مظلة تضم الأكاديميين والتشكيليين والمصممين، لترسيخ مشهد العمارة الإسلامية في مظاهر المدن الحديثة، وذلك يشجع الجامعات على مزيد من الاهتمام بها، وزيادة حصتها في الخطط الدراسية، كما يحثّ شركات التطوير العقاري على الاستفادة من تلك الملامح الفنية الخالصة في مشاريعها.

ذلك كله، يأتي في إطار رعاية الإمارات الفنون والتراث الإنساني، ويزداد أهمية مع حرص الدولة على الهوية الثقافية، وجذورها، فالفن الإسلامي يشكل ثروة لنا اليوم، ولا بد من أن نجد الأفكار والمبادرات والمشروعات التي تمكّننا من الاستفادة القصوى من تلك الثروة، ولا شك أن مهرجان البردة يخدم ذلك الهدف.
ولا يخفى أن الفنون البصرية تشهد تحولات جذرية، نتيجة تسارع التقدم التكنولوجي الذي أسهم في إعادة تعريفها بطريقة معاصرة، والفن الإسلامي ليس بمعزل عن هذه المتغيرات، ومن المهم أن تتعاون المؤسسات الثقافية العربية لدفع الفنون الإسلامية نحو فضاءات التجديد والابتكار، من خلال توظيف التقنيات الحديثة في إبداع أعمال فنية مستوحاة من تاريخنا الفني، ووضعها في قالب فني معاصر، يتسم بالحيوية والتنوع.
وإنها لفرصة سانحة لنا جميعاً زيارة مهرجان البردة الذي ينطلق 14 نوفمبر، ويعد في صلب هذا الجهد والطموح، بناء منصة فنية مستدامة، تُعنى بالعمارة والفنون الإسلامية، وتساهم في إثراء حوار ثقافي مستنير، يفتح الآفاق أمام مشاريع فنية كبيرة، تُلفت اهتمام العالم إلى إسهامنا المباشر في الحضارة الإنسانية.

الاتحاد، بتصرف يسير.