مركز الحوار في الأزهر.. انطلاقة جديدة للتواصل الحضاري

في خطوة جديدة لتفعيل الحوار الحضاري بين الأزهر والمؤسسات الدينية والفكرية والعلمية في العالم، بما يحقق التواصل والتعاون ونبذ الصراع والتعصب الديني، قرر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، تعظيم دور مركز الحوار العالمي بالأزهر من خلال مدّه بشخصيات فكرية جديدة قادرة على الحوار والإقناع وعرض الموقف الإسلامي حول مختلف قضايا العالم بموضوعية ومحاورة الآخرين بالعقل والمنطق واللغة التي يفهمونها وتصل إلى عقولهم وقلوبهم.

واجتمع شيخ الأزهر – مؤخراً – بأعضاء مركز الحوار برئاسة المفكر الإسلامي د. محمود حمدي زقزوق، عضو هيئة كبار العلماء ووزير الأوقاف المصري الأسبق، ود. محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، ود. مصطفى الفقي رئيس مكتبة الإسكندرية، ود. محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر، ود. محمد صابر عرب وزير الثقافة المصري الأسبق، ود. محمد كمال إمام، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الإسكندرية، ود. وفاء إبراهيم أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس.

أكد شيخ الأزهر خلال لقائه بهذه النخبة المتميزة من المفكرين الإسلاميين أن الأزهر يعلق عليهم آمالاً عريضة في دفع الحوار الفكري والديني والحضاري مع أتباع الأديان والحضارات الأخرى إلى الأمام.. مشدداً على أننا أتباع دين يقوم على الحوار والإقناع والتواصل مع الآخرين، ونحن- كمسلمين- دعاة حوار وسلام ولا نخشى الحوار والتواصل والتعاون مع أتباع الأمم وأصحاب الحضارات الأخرى.

وأوضح شيخ الأزهر أن الحوار هو العلاقة الوحيدة التي يجب أن تربط بين أتباع الأديان المختلفة، مضيفاً أن رؤية الأزهر للحوار رؤية موضوعية حيث ينبغي أن ينطلق الحوار بين أتباع الأديان السماوية من ثلاث حقائق أساسية هي:

– أن الله عز وجل خلق الناس مختلفين.

– وأن حرية الاعتقاد مكفولة للجميع.

– وأنه ليس من طريق للتعارف إلاّ الحوار.

ولذلك فإن الأزهر لا يؤمن بنظرية صراع الحضارات، كما يرفض العولمة التي تسعى لتهميش الثقافات المختلفة، وقولبة الجميع في ثقافة واحدة.

وأكد شيخ الأزهر أن الحوار يجب أن يبتعد عن العقائد، لأنها ستبقى دائماً نقطة اختلاف، موضحاً أن الاختلاف في العقائد سنة كونية ولذلك فإن العقائد لا حوار فيها.. كما أن الحوار يجب أن يكون متكافئاً وليس إملاءً من طرف على آخر، وهو ما ميز الحوار بين الأزهر وكثير من المؤسسات الدينية الكبرى في العالم، وفي مقدمتها الفاتيكان وكنيسة كانتربري ببريطانيا.. فالكل الآن يعرف توجه الأزهر ويتفق معه في ضرورة تجنب كل ما يتعلق بالعقائد على مائدة الحوار، فالعقائد تمثل خصوصية دينية لأتباع كل دين ولا ينبغي أن يتدخل طرف آخر في هذه الخصوصية.

وأشار الطيب إلى أن دعم مركز الحوار بالأزهر بعناصر جديدة فاعلة يأتي لكي لا يقتصر الحوار على الأديان فقط، بل يمتد إلى حوار بين الثقافات والحضارات الإنسانية المختلفة، مؤكداً أن الحوار هو مبدأ قرآني أصيل، ولذلك فإن التاريخ الإسلامي لم يشهد أية حروب شنها المسلمون لإجبار الناس على تغيير عقائدهم؛ بل كانت كل هذه الحروب لرد العدوان أو لحماية الحرية العقدية.

وطالب شيخ الأزهر أعضاء مركز الحوار بالانفتاح على كل العقول النيرة والمنصفين والمتعاطفين مع القضايا العربية والإسلامية في الغرب، لإحداث حالة حراك ثقافي وحواري بين الشرق والغرب، مضيفاً أن معظم المشكلات التي تشهدها العلاقة بين الجانبين تعود إلى غياب التفاهم، ولذلك فإن الآمال المنعقدة على مركز الحوار كبيرة، لكي يحقق التفاهم المتبادل بين الحضارتين الشرقية والغربية.

مقارعة الحجة بالحجة

د. محمود حمدي زقزوق، عضو هيئة كبار العلماء ومدير مركز الحوار، يؤكد أن المركز الذي أنشئ عام 2015 ينشر ثقافة الحوار بين الأديان والحضارات المختلفة، ويرسخ العمل على قبول الآخر، والتعايش المشترك، والتأكيد على القيم الدينية والإنسانية المشتركة بين الشعوب، وله أنشطة وفاعليات عديدة على المستويين الدولي والمحلي تجسد الدور الذي يستهدفه المركز في مجال التواصل الحضاري والتعايش السلمي.

ويؤكد د. زقزوق أن المركز في صورته الجديدة، يضم علماء ومفكرين يتمتعون بقدرات علمية وحوارية كبيرة، وهذه النخبة من المفكرين ستضيف إلى رصيد الأزهر.. مشيراً إلى تخطيط المركز للاستعانة بعدد من علماء ومفكري جامعة الأزهر والجامعات المصرية عندما يتطلب الأمر ذلك.

كما أشار إلى سعي المركز لتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام باللغة العربية واللغات الأجنبية (الإنجليزية والفرنسية والألمانية) والعمل على فتح قنوات اتصال بين مركز الحوار بالأزهر والمراكز المهتمَّة بالحوار في مختلف دول العالم، تشجيعاً على التفاهم والتعاون والحوار.

وعن مطلب شيخ الأزهر بتجنب الحوار في العقائد، يقول د. زقزوق إن فلسفة المركز في الحوار تقوم على أن الاختلاف حقيقة لا يمكن أن ننكرها وسنّة من سنن الله في خلقه، وكما نرفض أن يتدخل الآخرون في خصوصياتنا الدينية لا نعطي لأنفسنا حق التدخل في خصوصيات الآخرين.

ويضيف: منهج الأزهر في الحوار الديني يقوم على قرع الحجة بالحجة، ويبتعد عن كل صور التعصب والتشنج التي نراها في حوارات الآخرين، وقدوتنا في ذلك رسولنا العظيم صلوات الله وسلامه عليه، وأول حوار في الإسلام كان بين النبي ونصارى نجران، ويذكر التاريخ أنه اتسم بالهدوء والعقلانية الشديدة.

نشاط دولي متميز

وعن دور المركز خلال الفترة الماضية يؤكد د. زقزوق أنه قام بدور كبير في التواصل مع المؤسسات الدينية في العالم وفي مقدمتها: الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي وكنيسة كانتربري ببريطانيا، حيث عقد المركز جولات حوار متعددة داخل مصر وخارجها.. فضلاً عن دوره في المؤتمرات الحوارية التي نظمها الأزهر خلال الشهور الماضية ومن بينها: مؤتمر «الحرية والمواطنة… التنوع والتكامل» الذي عقد في فبراير 2017، وصدر عنه «إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك»، الذي شدد على حتمية العيش المشترك في ظل المواطنة والحرية والمشاركة.

وأيضا: «مؤتمر الأزهر العالمي للسلام» الذي عقد بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين في إبريل 2017 بحضور البابا فرنسيس الثاني، بابا الفاتيكان، ونخبة من علماء ورجال الدين والساسة بالعالم، وجرى خلاله التأكيد على رسالة الإسلام التي تحمل إلى العالم قيم السلام والتعايش والحوار، كما تم تنظيم مؤتمر «التطرف وأثره السلبي على مستقبل التراث الثقافي العربي»، بالتعاون مع جامعة الدول العربية، بهدف توصيل رسالة الإسلام الصحيحة إلى الناس في مختلف أنحاء العالم.

وعلى المستوى الداخلي كان للمركز دور في جلسات الحوار المجتمعي مع الشباب في عدد من محافظات مصر، بهدف إرساء قيم الحوار وتحصين الشباب والاستفادة من مقترحاتهم وأفكارهم، والمساهمة في بناء المجتمع دينياً وأخلاقياً وثقافياً واجتماعياً، وذلك بمشاركة مختلف الفئات العمرية مع التركيز على الشباب.

ويشير مدير مركز الأزهر للحوار إلى حرص المركز- باعتباره إحدى أدوات الأزهر الفكرية وأجنحته الثقافية- على مكافحة التطرف الفكري باعتباره القضية الأبرز على الساحة والتي أصبحت تهدد استقرار المجتمعات والسلام العالمي.

مواجهة التطرف

أما المفكر السياسي والإسلامي، د. مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية فقد أكد أهمية المركز الأزهري في عالم يموج بالصراع الفكري ويتعرض الإسلام لكثير من الحملات والمغالطات التي تستهدف تشويه صورته.

ويضيف: الأزهر هو مركز الاعتدال الإسلامي، وهو الذي أمد الوطن العربي والإسلامي بكل العظماء في الدين والسياسة والثقافة والفكر، وهو بحكم اعتداله ووسطيته القادر على مواجهة «ثقافة الكراهية» التي تصدرها الجماعات المتطرفة.

وقال: نحن على ثقة بأن الأزهر بكل مؤسساته ومنها مركز الحوار، قادر على حمل شعلة تجديد الخطاب الديني ودعم الخطاب العقلي بين المسلمين وغيرهم من أتباع الأديان الأخرى.

ويثمن د. الفقي رؤية شيخ الأزهر بضرورة تجنب كل ما من شأنه إشعال نار التعصب الديني نتيجة التفتيش في الخصوصيات الدينية.. وقال: نعم، الحوار يجب ألاّ يكون عقدياً لأن الإيمان قضية غيبية ولا يمكن أن تدخل في دائرة النقاش.

المصدر: الخليج.