د. مفيد شهاب
فى ديسمبر 1958 صدر العدد الأول من مجلة العربى بتوجيهات من أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، عندما كان يشغل – فى ذلك الوقت – منصب رئيس دائرة المطبوعات، حيث رفع المشروع إلى أمير الكويت الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح، ليبدأ ظهور المجلة الرائدة وواسعة الانتشار، لتشبع احتياجات الصحافة الثقافية العربية لمثل ذلك النوع من المجلات، بعد أن كانت قد اختفت مجلات كان لها وزنها الأدبى والعلمي، مثل المقتطف والرسالة والثقافة فى مصر.وقد تميزت «العربى» ـ منذ صدورها ـ عن العديد من المجلات فى مختلف الأقطار العربية، وأثرت الثقافة العربية على مدى ستة عقود ممتدة.
وفى هذه الذكرى الغالية على كل المثقفين فى الوطن العربى، أرى من المناسب الإشارة إلى عدة ملاحظات أساسية:تشغل الثقافة مكانة مركزية ضمن السياسة الخارجية لدولة الكويت. ويجمع المراقبون على أن الكويت، إذا كانت قد تميزت بتعدد وتنوع استثماراتها على المستويين العربى والخليجى، فإن خير استثماراتها خلال نصف قرن مضى، كان فى مجالات التنمية الثقافية، حيث لم تنازعها فى ذلك الدوافع السياسية، ولم تحجبها الشوال الاجماعية والرسمية، وبثت الدوريات الثقافية منذ نشأتها بلا عائق رسمي. فعلى مدار سنوات ممتدة نشرت الكويت عدة إصدارات عربية تهدف لنشر العلم والثقافة بين الجماهير الناطقة باللغة العربية من المحيط إلى الخليج، وكان من أهم الإصدارات: سلسلة كتب علم المعرفة، وسلسلة إبداعات عالمية ومجلة عالم الفكر ومجلة الثقافة العالمية، وتولى المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب رعاية ودعم هذه الإصدارات، التى باتت ضمن ملامح الصورة العالمية للكويت.
تفردت مجلة العربى بكونها منبراً ثقافياً يعبر عن العالم العربى بأسره وليس دولة الكويت فحسب، إذ كان اختيار رؤساء تحريرها من بين نخبة المثقفين العرب مثل د.أحمد ذكى العالم الكيميائى والمفكر الموسوعى ثم أحمد بهاء الدين الصحفى الذى أثرى محتوى المجلة فى مجالات السياسة والاقتصاد والفلسفة والدين.
وتضمنت المجلة محتوى يعبر عن اهتمامات القارئ العربى والقضايا التى تشغل فكره، وهو ما زاد من الإقبال عليها من جانب القراء الذين حرصوا على اقتناء المجموعة الكاملة لأعدادها.
وكان نشر المجلة فى مرحلة لاحقة بعض الإصدارات المصاحبة لها مثل «كتاب العربى» و«مجلة العربى الصغير» بمنزلة تأكيد هذا الإقبال الجماهيرى، على ما تنشره من محتوى رصين وجذاب فى الوقت نفسه، بالإضافة للتنوع فى المجالات والموضوعات.
ركزت المجلة منذ صدور العدد الأول على نشر الثقافة والعلم لدى عموم القراء غير المتخصصين، حيث تبنت السياسة التحريرية للمجلة اللغة المفهومة والدمج بين جاذبية النص وتوظيف الصور، بالإضافة للتنوع فى المحتوى ما بين الأدب والعلم والطب والكيمياء والسياسة والفنون والجغرافيا والتاريخ، بهدف توسيع نطاق شريحة القراء لأوسع نطاق وتشكيل توجهات الرأى العام العربى.
كانت «العربى» من أوائل الإصدارات الجماهيرية التى تتبنى فكرة إجراء المسابقات التى يشارك بها القراء من مختلف أرجاء العالم العربى، مع تقديم مكافآت وجوائز مجزية للمشاركين فى هذه المسابقات، التى شملت مهارات كتابة المقالات والبحوث والرسم والتعبير الفنى، وغيرها من المجالات الثقافية، مما زاد من توزيع المجلة وتسابق القراء على اقتنائها.
عكست مجلة العربى صورة شديدة الوضوح والثراء للثقافة العربية، فعرضت الآراء المختلفة، بهدف ترسيخ قيم التنوع والحوار لدى المتلقين، كما تبنت نهجاً شديد الاعتدال فى تناول القضايا الدينية والفكرية والثقافية، وسعت عبر نشر المعرفة للتصدى للتفكير غير العلمى والتطرف الفكرى والدينى والتعصب للرأى.
عندما تنظم الكويت فى سفارتها بالقاهرة احتفالية بالذكرى الستين لمجلة العربى، على هذا المستوى الرسمى الكبير، فهذا خير دليل على أن الكويت تحتل– بما تضمه من مفكرين وأدباء وشعراء، وبما تقدمه من دعم رسمى وشعبى لكافة الأنشطة الثقافية والفكرية – مكانة متميزة فى مجالات الإنتاج الثقافى الغزير والمتنوع.
الأهرام.